اعلم أنه يجب على المكلف تعلم ما يفسد الصلاة ويبطلها حتى يجتنبه، فلا يكفي القيام بصور الأعمال كما هو الشأن اليوم باعتبار أحوال كثير من الناس، فأحدهم يذهب إلى الحج من غير أن يتعلم أحكام الحج ويكتفي بأن يقلّد الناس في أعمالهم، أو يفعل صورة الصلاة من غير تعلّم أركانها فيأتي بما يبطل عمله من صلاة وحج من غير أن يدري، وهؤلاء يدخلون تحت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رُبَّ قائم ليس له من قيامه إلا السهر، ورُبَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش" رواه ابن حبان.
ويُبطل الصلاة:
الكلام أي بما هو من كلام الناس عمدًا مع ذِكرِ أنه في الصلاة من غير أن يكون مغلوبًا أي لا يستطيع ترك ذلك النطق، ولو كان ذلك النطق بحرفين ليس لهما معنى، فلو قال "ءاه" بطلت صلاته كما نصّ على ذلك الفقهاء من شَافعيين وغيرهم، وهذا دليل على أن "ءاه" ليس اسمًا من أسماء الله. وكذلك تبطل الصلاة بالنطق بحرف ممدود كأن يقول: "ءا" أو "إي" أو "أو" فإنه بسبب المد صار حرفين، وفي المذهب وجه بأن مدّ الحرف الواحد لا يُبطل الصلاة كقول "ءا". وكذلك تبطل الصلاة بالنطق بحرف مُفهم كأن يقول: "قِ" بكسر القاف لا يتبعها شىء، وكذلك "عِ" بعين مكسورة، وكذلك "فِ" بكسر الفاء، لأن هذه الحروف الثلاثة كل واحد منها له معنى يُفهم منه، فَقِ يُفهم منه الأمر بالوقاية، وَعِ يفهم منه الأمر بالوعي، وفِ يفهم منه الأمر بالوفاء. فهذا وما أشبهه يبطل الصلاة إن كان عمدًا مع ذكر الشخص أنه في الصلاة وهو عالم بالتحريم أما من كان جاهلًا بحرمة الكلام في الصلاة لكونه ممن أسلم من وقت قريب أو لكونه نشأ في بلدٍ بعيدة عمن يعرف أحكام الشرع فلا تبطل صلاته.
وأما الناسي أنه في الصلاة إذا تكلم بكلام قليل أي ستّ كلمات عرفية فأقل فلا يبطل نطقه هذا صلاته، كأن يقول: اذهب إلى السوق واشترِ لي خُبزًا ثم أحضره لي ثم ضعه في مكان كذا.
أما التنحنح والضحك والبكاء والأنين والنفخ ففيه حالتان:
أن يظهر فيه حرفان فأكثر فإنه يبطل الصلاة.
أن لا يظهر فيه حروف بالمرة فلا يبطل حينئذ الصلاة. وهناك وجه أن التنحنح لا يبطل الصلاة ولو ظهر فيه حرفان.
وخرج بكلام الناس ذكر الله تعالى فإنه لا يبطل الصلاة، ومن ذلك أن يقول إذا رأى الشيطان يهجم عليه: "أعوذ بالله منك"، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أَقبَلَ إليه ذات يوم إبليسُ وبيده شعلة نار لِيُلقيها عليه فقال: "أعوذ بالله منك"، فأعانه الله عليه ومكّنه منه حتى همّ أن يربطه بسارية من سواري المسجد فيراه الناس إذا أصبحوا، ثم تذكّر دعوة سليمان بن داود عليهما السلام: ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ [35] ﴾ [سورة ص] فترك ذلك.
وفعل ثلاث حركات متواليات سواء كان بثلاثة أعضاء كحركة يديه ورأسه على التعاقب أو دفعة واحدةً أو ثلاث خطوات، وهذا عند بعض الشافعية، وقال بعضهم: لا يبطل الصلاة من الفعل إلا ما وسع مقدار ركعة من الزمن، وهذا الوجه يجوز العمل به لأنه أوفق للأحاديث التي ورد فيها ما يشعر بأنه صلى الله عليه وسلم تحرك في الصلاة أكثر من ثلاث حركات، كحديث أنه صلى الله عليه وسلم فَتَحَ الباب الذي كان مُقفلًا في جهة القبلة لعائشة رضي الله عنها، ثم استمرّ في صلاته، وهذا حديث صحيح رواه الإمام أحمد في مسنده عن عائشة، فإن الظاهر من فعله صلى الله عليه وسلم أنه حصل منه في ذلك أكثر من ثلاث حركات متواليات، ويبعد حمله على أنه اقتصر على حركتين.
والحركة المفرطة: كالوثبة الفاحشة، وكذلك تبطل الصلاة بالحركة الواحدة لو لم تكن مفرطة إذا كانت للَّعب، ولا يفسد الصلاة تحريك الأصابع مع استقرار الكفّ وإن كثر، وكذلك تحريك الجفن أو اللسان أو الأذن، وحلّ زرّ وعقده ولو كثر إن كان الكف قارًّا ما لم يكن للعب.
وزيادة ركن فعليّ: كأن زاد ركوعًا أو سجودًا عمدًا.
والأكل والشرب إلا إن نسي فإنه لا يبطل إن كان أكلُهُ وشربه قليلًا.
ونيَّة قطع الصلاة: أي إن نوى في قلبه أن يقطع الصلاة في الحال فإنها تنقطع، وكذلك إن نوى قطعها بعد مضي ركعة مثلًا بَطَلت صلاته.
وكذلك تبطل الصلاة بتعليق القطع على شىء كأن قال في نفسه: إن حصل كذا فإني أقطع الصلاة فإنها تبطل حالا.
وكذلك تبطل الصلاة بالتردد في قطعها كأن قال: هل أقطعها أم أستمرّ فيها فإنها تبطل.
وأن يمضي ركن مع الشك في نية التحرُّمِ أو يطول زمن الشك، أي أن من شك في نية الصلاة هل نوى في التحرم أم لا، أو شك هل نوى ظهرًا أو عصرًا، أي أنه إذا استمر هذا الشك حتى مضى ركن وهو يشك فإن صلاته تبطل، كأن قرأ الفاتحة وهو في هذا الشك فإنها تبطل، أو شك في ذلك ثم رَكَعَ وهو شاك فإنها تبطُل، وكذلك تبطل إذا طال زمن الشك ولو لم يمض معه ركن. وأما إن تذكّر ولم يمضِ مع الشك ركنٌ ولا طال وقته فلا تبطل وذلك بأن يشك فيزول سريعًا.